أجمل الأماكن الأثرية في الأردن: مدينة ام قيس

يكفينا قول مدينة الشعراء والفلاسفة، مدينة الآثار والحضارات، لترتسم في أذهاننا صورة تلك الأعمدة الشامخة التي خطت وسطرت عبر التاريخ قصص حضاراتٍ تتالت وتعاقبت وسكنت فيها:

إنها ام قيس الأثرية، المكان الذي ارتفع فوق الأرض شواهداً مذهلة تستحضر أعماق التاريخ وعراقة الماضي..

هي بلدة أردنية وسميت قديماً "جدارا".

وتعني المدينة المحصنة، والمشهورة بموقع معجزة خنازير جراسيين الشهيرة، وتمتاز بشوارعها المدهشة والعريضة والشرفة المقوسة، و تقع في لواء بني كنانة التابع لمحافظة إربد.

تاريخ هذه المدينة يعود إلى ما قبل ٢٤٠٠ سنة، حيث كانت إحدى مدن إمبراطورية الرومان الرئيسية والتي كانت عشرة متوزعة على الشرق القديم. وتكون أهميتها في أنها نقطة الوصل للتجارة بين فلسطين وسوريا.

  وتمتلك أم قيس موقعاً استراتيجياً وإطلالة رائعة ومميزة، حيث تقبع على تلة جميلة يستطيع الناظر من فوقها أن يرى نهر اليرموك ويواجه مرتفعات الجولان ويستمتع برؤية المياه المتلألئة على سطح بحيرة طبريا، بالإضافة إلى وفرة المياه فيها والذي كان السبب الرئيسي في جذب السكان لها والتمركز بها، وتشتهر ام قيس بالكثير من المعالم الأثرية والتي لاتزال حتى يومنا هذا نذكر منها:

المسرح الجنوبي ،الكنيسة البيزنطية، كنيسة البازيليكا،  المدرجين الشرقي والغربي، مجمع الحمامات الرومانية والدكاكين المقنطرة وغيرها من الآثار التي تحتوي على نقوش وفسيفساء مذهلة التصميم  كالمتحف الأثري الضخم الموجود في بيت "الروسان"؛ وهي من أشهر العائلات الأردنية، والجديد بالذكر أنه كان منزل الحاكم العثماني بالأصل، ويحتوي هذا المتحف على تماثيل وقطع أثرية وفسيفساء وعملات معدنية، كما ويضم قاعتي عرض: القاعة الأولى تجد فيها خزفيات مذهلة في تصميمها تعود للعصر الهلينستي وصولاً للعصر الإسلامي، وأشياء أخرى كانت في مقابر ام قيس ،أما القاعة الثانية تحتوي على قواعد أعمدة وتماثيل ومنها تمثال تيكه الجالس، وفيها تيجان وتوابيت مصنوعة من البازلت كما ويضم بوابتين ايضاً من نفس الحجر وغيرها من لوحات الفسيفساء، وتم نقل جميع هذا الآثار من نفس المكان.  ويعتبر هذا المتحف من أهم الاكتشافات الأثرية التي تم العثور عليها في ام قيس.

كما ولا يمكننا أن ننسى تسليط الضوء على أهم أسرارها وهي شبكة الأنفاق التي تحت المدينة، الشبكة التي كانت تربطها بالمدن العشرة للإمبراطورية الرومانية وكانت تمتد للمئات من الكيلومترات، وأصبحت الآن أنفاقاً للمياه تسير لمسافات طويلة تحت الأرض. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على بعُد فكر وذكاء مؤسسيها القدماء وحضارتهم المتقدمة. 

وتاريخ ام قيس بموقعها الأثري يرجع إلى الحقبة اليونانية، فهي تُعد من مدن الحلف الروماني التي تميزت آثاره بين المباني البيزنطية والرومانية واليونانية والتي تم بناؤها من قبل أبناء تلك المنطقة في تلك الحقبة

وكانت تعد في ذلك الزمان مركزاً للثقافة وموطناً للفلاسفة الكلاسيكيين ومقراً للحكماء و الشعراء وأهمهم الشاعر آرابيوس صاحب المقولة الشهيرة التي باتت مقترنة بـ ام قيس: "أيها المار من هنا، كما كنت أنت كنت أنا، وكما أنا الآن ستكون أنت فتمتع بالحياة لأنك فان".

وقصت أعمدتها وأحجارها حكايات حضاراتٍ تعاقبت على هذه المدينة وتركت علامة فارقة في حقباتها كما لو أنهم يقولون لمن جاء بعدهم ..هذا ما فعلناه، فماذا ستفعل أنت؟

وجميع هذه الآثار وعراقة تلك التصاميم جعلت الحركة السياحية تزداد يوماً بعد يوم في ام قيس، واللافت في الأمر الحركة السياحية المحلية من الزوار الأردنيين الذين باتوا يقصدونها في نهاية كل أسبوع للاستجمام والتعرف على آثار بلادهم وذكاء وقوة وحكمة من سبقوهم من أسلافهم لبناء تلك الحضارة وجعلها تُحفر عبر التاريخ والزمان وترسخ مكانة تليق بها وبهم بين الحضارات وعلى مر العصور.

وبدورنا لابد لنا يوماً ما من زيارة هذا المكان الساحر وتأمل المناظر الآخذة والآثار النادرة والفخر بتلك القرية التي شقت لنفسها طريقاً للمجد.