نفحات من تاريخ الكرك أعرق المدن الأردنية

1033 0 آخر تحديث: 2021-11-10 14:30:25 تاريخ الإعلان: 2021-11-10 أبلغ عن مرجع ويب: 2081

الموضوع

الكرك الاسم التاريخي الأردني الذي لا يغيب عن الذاكرة بكل ما حمل من معانٍ سياسية واجتماعية وشعبية عبر التاريخ الطويل للمملكة الأردنية الهاشمية ومن قبلها لإمارة شرق الأردن، ومنذ غابر الأزمنة حيث بدأت الحضارة الإنسانية المؤابية في منطقة الكرك.

الكرك هي تلك الجبال المطلة بكل شموخ نحو مثيلاتها في فلسطين، والتي يتسلقها كل من أراد نظرة مباركة من أضواء القدس الشريف، الكرك هي تلك الحانية نحو البحر الميت تمدّ ينابيع مياهها فتتغلغل منسابة تنعش وديان الأردن وتبعث فيها استمرار الحياة الخضراء النضرة.

قلعة الكرك تتوسط قمم التاريخ التي رفعت رايات عهد مؤاب حتى نصر صلاح الدين، ويرسم امتداد أهل الكرك دروباً وصلت البحر بالصحراء، ومزجت سهول شيحان الخضراء بجبال الضباب ووديان الموجب والحسا، وأرض الكرك تلك التي ارتوت من دماء شهداء مؤته الذي مازال صدى سيوفهم يصدح في خلجاتها.

عراقة الكرك نُسجت من عراقة أرضها وإنسانها أيضاً، الكرك أردنية نقية نقاوة الأصل والفطرة، تضم على أرضها آثار الأمة الأردنية وحضاراتها السابقة والحديثة، ولم تعطِ للأردن سبغة الآثار فحسب بل نشرت من نسل عشائرها الكبيرة والكثيرة الأمة الأردنية بكاملها.
 

الكرك نبض بشريّ متيقظ على الأرض منذ عصور ما قبل الميلاد بثمانية ألف عام وربما أكثر، أطّلت من العصر الحجري ومرّت خلال العصور المتلاحقة حتى العصر الحالي بالكثير من المراحل التاريخية سياسياً واجتماعياً، فكانت الكرك مملكة قائمة بحضارة راسخة ومتطورة عن مثيلاتها في العصور، حتى كانت معظم العواصم العربية المجاورة الآن تخضع لها إدارياً وسياسياً.

الكرك منطقة تثير اهتمام الباحثين في التاريخ فهي مستودع لأسرار العصور السابقة، ومازال فيها ما لم يكتشف بعد من الأسرار المخبأة والمتناثرة فوق أحجارها، فهي إرث إنساني من الحضارة والتفاعل البشري الذي تآلف عصراً تلو عصر.

يروى عن الكرك القديمة في عصر الأنباط، حيث كان استقرارها وحضارتها المزدهرة موضع طمع الغزاة والحملات العسكرية، ويروى أنها تعرضت لحملة كبيرة نظمها وقادها الآشوري (الملك دانيال) في المئة السادسة قبل الميلاد، ثم لم تسلم الكرك من حملات ملوك بابل الذين أسسوا لمملكة بقيادة (نيولانصر)، ثم جاءها الغزو الفارسي بكل قوته، وانتزعها منه الإغريق، ليحتلها الرومانيون أيضاً بعدهم حوالي السنوات المئة الأخيرة قبل الميلاد.

غزاة تلو غزاة طامعون بأرض الكرك بكل ما تتفرد به تاريخياً واستراتيجياً، فمنطقة الكرك تقع على الطريق التجاري القديم الأساسي الذي يصل أرض مصر بأرض الشام، وتمر منها القوافل المحملة بالخيرات وتنشط على أرضها الحركة التجارية كمحطة حضارية في ملتقى الطرق، وهذا ما دفع بالحملات الصليبية في العام الألف ومئة تقريباً بعد الميلاد لاحتلالها، ووضع يدهم للسيطرة على الكرك ومنطقة جنوب الأردن والتحكم بالدخول نحو منطقة القدس، ونتيجة الغزو الصليبي وسيطرته المعادية دخل صلاح الدين الأيوبي بجيوشه نحو الكرك وحررها من الصليبيين، وقام الملك الناصر داود بتأسيس إمارة الكرك الأيوبية التي منها توجهت حملة تحرير القدس الشريف من أيدي الصليبيين.

أعادت الكرك بريقها وألقها الحضاري والاستراتيجي في عهد المماليك لتصبح إحدى الممالك السبع لبلاد الشام، حتى أن السلطان ابن قلاوون المملوكي نقل مقر سلطته إليها بعد أن كان في القاهرة، فباتت مملكة الكرك المركز الأهم والعاصمة التي تتبع لها مصر وكل بلاد الشام.

التاريخ الظالم لم يرحم مدينة عريقة في التاريخ وطبعاً لم تسلم الكرك مرة أخرى فبعد أن عادت مملكة احتلها العثمانيون ليضموها في إمبراطوريتهم ليحكموا السيطرة من خلالها على المناطق الجنوبية كافة، لكن هذا الحكم العثماني لم يدم طويلاً، فالحضارة التي تطورت في الكرك كانت بفضل تطور أهلها وقوة انتمائهم مهما تعدد الغزاة، فوصل بهم الوعي الوطني لمستوى النضال الحقيقي الذي رافق ثورة عربية شاملة على الاستبداد العثماني، وقدموا التضحيات الكبيرة والدماء حتى تم تحرير الكرك وبقية المناطق وتأسست إمارة شرق الأردن، ولولا بعض الاعتبارات الإدارية والسياسية لكانت الكرك عاصمة المملكة الأردنية، لكنها كانت ومازالت في قلب كل أردني الكرك أم كل المدن.

 


ثقافة
N-h11

معلومات المستخدم

أعجبني:
تقييمك:

تعليقات


مواضيع مماثلة