جبل نيبو مادبا: نفحة سماوية جمعت الأديان

جبل نيبو مادبا الجبل المقدس الديني والتاريخي الذي يعتبر من أبرز معالم المملكة الأردنية، ينطبق عليه المثل العربي القائل (علمٌ على رأسه نار) فمن لم يسمع بجبل نيبو مادبا؟

يشمخ جبل نيبو مادبا ثمانمئة وعشرة أمتار فوق سطح البحر، ليكون قمة شاهقة يحظى الواقف عليها بمنظر مذهل بانورامي يرى من خلالها البحر الميت ووادي نهر الأردن وجبال البلقاء، ومدينة أريحا الفلسطينية، وتصل الرؤية قبة الصخرة في مدينة القدس إن كان الجو صافياً تماماً فوق الجبل.
جبل نيبو مادبا عانق الأديان السماوية وكان لكل منها فيه نصيب، هو جبل يقدّسه الجميع.

جبل نيبو مادبا تاريخياً:

يُذكر في الكتب التاريخية أن اسم جبل نيبو جاء من (نبا) آلهة التجارة لدى البابليين القدماء، إذ كان ممراً لقوافل التجار نحو فلسطين، كما تذكر بعض المصادر أن جبل نيبو مادبا جاء من اسم المدينة القديمة (نبو) التي وردت في ذكر الحروب التي قامت على الجبل ضمن مسلّة الملك المؤابي ميشع الأثرية، وتتابع المصادر أنه بعد الحروب الكثيرة على جبل نيبو مادبا هُجرت المدينة حتى القرن الرابع الميلادي قطنتها قبيلة مسيحية وقامت ببناء كنيسة بيزنطية فيها، ثم تطورت المدينة وازدهرت في العصور التالية.

أهمية جبل نيبو مادبا دينياً عند اليهود:

تذكر التوراة جبل نيبو مادبا في أحد أسفارها، بالعبارة الحرفية التي تقول: (اصعد إلى جبل عباريم، هذا جبل نبو الذي في أرض مؤاب قبالة مدينة أريحا..). كما تذكر في سفر آخر: (صعد النبي موسى من أرض مؤاب إلى جبل نبو..فأراه الله جميع الأرض..) حيث يعتبر اليهود أن النبي موسى قد جاء إلى جبل نيبو بعد خروجه من مصر. وعندما أراه الله هذه الأرض من قمة جبل نيبو مادبا منعه من دخول أرض كنعان.

أهمية جبل نيبو مادبا دينياً عند المسيحيين:

تؤكد معتقدات المسيحيين استمرار رحلة النبي موسى إلى قمة جبل نيبو مادبا، وتعتقد أنه توفي ودفن هناك، وضمن الكنيسة القديمة التي بناها الرهبان في جبل نيبو بين القرن 4 و6 الميلادي، يوجد قبر النبي موسى، مع عدم تأكيد علماء الآثار على وجود دلائل موثوقة على ذلك، لكن بقي جبل نيبو مادبا مقصداً مسيحياً هاماً حتى الآن ووضع ضمن خارطة الحج المسيحي المقدس، ففي عام 2000 عندما زاره بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني في رحلة حجه إلى الأراضي المقدسة، زرع شجرة زيتون جانب الكنيسة البيزنطية رمزاً للسلام، وعام 2009 زار بابا الفاتيكان التالي بنديكتوس السادس عشر الجبل وألقى خطاباً مؤثراً من أعلى قمة جبل نيبو مادبا وهو ينظر إلى مدينة القدس من هناك.
كما قام الفنان الإيطالي المشهور جيوفاني فانتوني بتصميم وإنشاء صليب على قمة جبل نيبو مادبا أصبح من رموز الجبل الآن، والصليب القائم على الجبل تلتف حوله أفعى برونزية، رمز بها الفنان إلى معجزة الحية التي استحضرها النبي موسى في البرية وصارت عصا.

أهمية جبل نيبو مادبا عند المسلمين:

تؤكد معتقدات الدين الإسلامي أن جبل نيبو مادبا هو ذات الكثيب الأحمر في رواية النبي موسى، إذ ورد في قصة موسى في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وكثير من الأحاديث الشريفة، وأهميته عندما ذُكر في حديث نبوي عن ليلة الإسراء وينص الحديث حرفياً: (مررتُ على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره)، فالعقيدة الإسلامية تكرّم قبر النبي موسى في جبل نيبو مادبا أيضاً، وفي حديث شريف آخر رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة على لسان الرسول محمد (ص) بعد رواية قصة موت النبي موسى قال: (لو كنت لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر).