تقاليد وتراث أهل الكرك (طقوس العرس الكركي)

1831 0 آخر تحديث: 2021-11-17 20:28:10 تاريخ الإعلان: 2021-11-17 أبلغ عن مرجع ويب: 2175

الموضوع

الكرك من أعرق المناطق في المملكة الأردنية الهاشمية، مأهولة منذ القدم البعيد، توالت على أرضها الحضارات والغزوات وعاشت حياة النهضات والحروب وكل النشاطات الإنسانية على مرّ الأزمنة، وفي نفس الوقت لم يستطع هذا الزمان بتقلباته أن يشتت وحدة أهل الكرك، ولم يمنعهم من استمرارهم معاً كوحدة اجتماعية متكاتفة كوّنت مجتمعاً شعبياً له عاداته وتقاليده الأصيلة، التي حرص أهل الكرك أن يحافظوا عليها ويتناقلونها جيلاً بعد جيل.
ورغم أن الحضارة الحديثة باتت في إيقاع أسرع بكثير من نمط الحياة الاجتماعية السابقة، وبوسائل عصرية بعضها أكثر راحة ويسراً، وبعضها أكثر مبالغة وتكلفة، إلا أن أهالي الكرك مازالوا يدخلون بعضاً من طقوس مناسباتهم القديمة في المناسبات الحديثة، وبعضهم يمدح من خلال ذكرها الأصالة الكركية ويحدّث بها الأجيال الجديدة كي لا تغيب عن الذاكرة.
   

(العرس الكركي) طقوس الزواج القديمة عند أهل الكرك:

كانت مراسم الزواج في الكرك قديماً تبدأ قبل يوم العرس بأكثر من شهر، حيث تبدأ نساء أهل العريس بالتحضير لمفروشات بيت العرسان، سواء بانضمامه إلى دار أبيه الواسعة أو في بيت مستقل على الأغلب هو مجاور لدار أهله أيضاً، والطقس الأبرز في تحضير فرش العرسان هو غسيل الصوف الطبيعي لتُصنع منه فرش السرير والأغطية التي تسمى باللهجة الشعبية (اللحاف)، وكان يتباهى أهل العريس بعدد الفرشات والملاحف التي تخاط قبيل العرس لأنها تدل على المكانة الاجتماعية الكبيرة للعريس بين عشيرته وعلى حالته المادية الميسورة.
 
من الأماكن المشهورة في الكرك ضمن سيل الكرك عين الماء المسماة (عين سارة) وهو المكان المفضل لنساء الكرك القديمات في عملية غسل الصوف وتحضيره لفرش العريس، وكانت كل نساء العائلة يجتمعن للغسيل في عين سارة، ويجتمع معهم بعض رجال العائلة وشبابها لمساعدتهم في نقل الصوف على ظهر الدواب إلى العين، ومراسم غسل الصوف تتطلب غالباً التخييم في العين إن كان بكميات كبيرة، لأن عملية الغسل والتجفيف التام للصوف تحتاج وقتاً طويلاً، فكان أهل الكرك المجتمعين في طقس العرس هذا يستغلون جلوسهم الطويل في العين ويقيمون ضمنه احتفالات بموسيقاهم الشعبية تفرد فيها ولائم الخير والفرح.
ومن تقاليد مراسم غسيل الصوف الخاصة بأهل الكرك، هو حضور العروس للمشاركة في عملية الغسل والتنشيف، لكن لم يكن يسمح لها بالمبيت مع عائلة العريس في نفس المكان، فكانت تبيت هي وضيوفها القادمين معها للمشاركة في مكان قريب للعين تدعوه نساء الكرك القديمات (مقعد العرايس).
بعد أن تنتهي عملية تجفيف الصوف تقوم النساء بعملية تنجيد وشد فرش الأسرة واللحاف الصوفية وتخيطها وتطريزها لتصبح أساس مفروشات غرفة العرسان جاهزة، فكما ذُكر سابقاً الغالب أن يسكن العرسان في دار الأهل.
من تجهيزات غرفة العرسان القديمة الأساسية أيضاً خزانة الملابس، والتي كانت تصنع كصندوق أو وعاء من جلد الماعز المشدود، وكانت تسمى في تراث أهل الكرك (العلو). إضافة لتجهيز صندوق المؤونة الخشبي الذي يحفظ بداخله المواد الغذائية مثل السكر والشاي والجبن واللبن الجميد.
مع اقتراب موعد يوم الزفاف أو العرس الكركي، تبدأ الاحتفالات والزغاريد اليومية تصدح من دار أهل العريس والعروس على حد سواء، وتتميز في الأيام القريبة من العرس ليلة الاثنين السابق للعرس، حيث تسمى (النصه) وبها تبدأ الاحتفالات الرسمية في دار أهل العريس واستقبال الأقارب والعشيرة وأهل الحي وضيافتهم وإقامة الموائد العامرة من الأطايب والفرح معهم، ويكون للرجال مكان منفصل عن مكان احتفالات النسوة، وتستمر هذه الاحتفالات يومياً حتى ليلة الخميس موعد العرس الرسمي.
تدعى هذه الاحتفالات السابقة للعرس في طقوس الكرك (حلقات السامر)، وهي حتى الآن مازالت تعقد وخاصة في أرياف الكرك، فكان السامر يغني للحاضرين أجمل قصائد الفخر والغزل، وتختص أشعاره بمدح أهل العريس ووصف العريس واستعراض محاسنه، ويتحلق حوله الشباب والرجال يرددون معه، والسامر لا يأتي وحده ليحيي الفرح بل يرافقه كورس من الشباب المرددين والذين يحمسون الحاضرين للمشاركة، وأحياناً يبلغ حماس الحاضرين مع السامر أن ينشد طوال الليل معهم.
ويأتي موعد ليلة الخميس أحد أهم احتفالات عرس الكرك، حيث تذهب نساء بيت العريس بموكب يدعى (قطار الحنة) للقيام بوضع صبغة الحناء على يدي العروس قبل العرس، وطبعاً هذا الطقس عند أهل الكرك مصحوب بمجموعة خاصة من الأهازيج الشعبية والمساجلات الغنائية بين الطرفين، من جهة أهل العريس أثناء التحنية، والرد من جهة أهل العروس، معظم أهازيج ليلة الحناء هي أشعار من المدح والمفاخرة المحببة المتبادلة بين الأهلين.
يلي طقس الحناء للعروس يعود قطار أهل العريس لاصطحاب العروس إلى دار العريس، ويدعى بـ (قطار الفاردة)، ويضم مجموعة من الطقوس المتعارفة عند أهل الكرك مثل (تسعة الخال) وهو مبلغ مالي يقدم لخال العروس الذي كان رأيه ذو قيمة في الموافقة على زواج ابنة أخته، تتبع عملية إهداء الخال النقود أهازيج خاصة متعارفة أيضاً تخصص لسماح الخال بذهاب العروس لدار عريسها، وطبعاً غالباً لا يأخذ الخال أي مبلغ فعلياً، لكنه يشارك في الطقس كنوع من استمرار تقاليد الفرح المحببة.
تصل العروس في موكب الفرح وقطار أهل العريس إلى العريس الذي ينتظرها في الدار مع أقاربه وأصدقائه الذين يسيرون معه ضمن موكبة غنائية يسميها أهل الكرك (الزفة)، فيستقبل عروسته ويذهب موكب أهل العريس لمأدبة العشاء ووليمة العرس التي أحياناً تكون مقدمة من أحد أقاربه أو أصدقائه.
وفي الليلة التالية للعرس تستمر ولائم أهل العريس التي تدعى (القرى)، ويأتي إليها كل من يريد أن يقدم للعرسان الهدايا والمبالغ المالية التي تسمى (النقوط).     

 


ثقافة
N-h37

معلومات المستخدم

أعجبني:
تقييمك:

تعليقات


مواضيع مماثلة